“معهد ورش وَثْبَةٌ نوعية في تاريخ المحظرة الشنقيطية/ السالك الشيخ”
كانت المحظرة الشنقيطية عامة والكتاتيب التحفيظية خاصة مؤسساتٍ أهليةً يقوم عليها الأفراد وتدار من قبلهم بعيدا عن روح العمل الجماعي الذي تتزاحم فيه العقول والجهود وتضبططه القوانين، وتوضع له الاستراتجيات التخطيطية المبَصِّرة بآفاق المستقبل على مدييه القريب والبعيد فضلا عن وعيها بالواقع ومدى حاجياته الملحة وتعقيداته المتشابكة.
حتى قيض الله نخبة من أبناء هذا البلد، ومن رجال أعماله الغيورين على مصلحته فوضعوا الخطط وتطارحوا الأفكار وتدارسوا الحالة الموجعة التي آل إليها أمر معظم قرى هذه البلاد وخصوصا في أغوار الداخل حيث آدوابه التي يطحنها الفقر والمرض والجهل ، ولا يقتصر عليها بل يتجاوزها إلى غالبية القرى الأخرى حيث تحولت معظم المجموعات عن طلب العلم وغاضت منابعه وصوحت البلاد ورُعي الهشيمُ وساد الجهل وتزعزعت مكانة العلم والعلماء، وبدأ صوت الدعايات التحريضية المفرقة بين أبناء الشعب الواحد يعلو .
واتفق العقلاء أن أعظم ترياق لداء الفتنة الاجتماعية وسُعار الكراهية ودخان العداوة والبغضاء هو التعليم، تعليم الطبقات المطحونة التي التهمها الجهلُ حتى غدت محتاجة إلى ما يؤهلها ويعيد أنسنتها ويحيي فطرة الخير في نفوسها بعد عقود التهميش، وسنوات الحرمان.
فبادرت هذه العصبة المباركة بوضع أولى لبنات هذا المشروع المبارك، وبذرت أولى بذراته في مدينة جيكني التي أصبحت بعدُ مركز إشعاع ثقافي وعلمي تتصادحُ فيه حناجر الطلاب بآي الذكر الحكيم آناء اليل وأطراف النهار، وتحولت المدينة التي يقول معظم سكانها إنها وقبل مبادرة ورش أصبح من أعز ما تسمعه الأذن فيها طالبا يقرأ القرآن أو شيخا يدرسه، لكنها تحولت في وقت وجيز إلى مركز روحي لهذه المؤسسة الوطنية المباركة (معهد ورش)، ثم يأتيك من يستغرب تخرج المئات من هذه المدينة التي يوجد بها أو ل فرع وأول مدير وأول أستاذ وأول طالب في معهد الإمام ورش.
إن من أبرز الآليات التي أدخلها معهد ورش على المنظومة التربوية التقليدية للمحظرة الشنقيطية الآليات التالية:
1) آلية المتابعة : حيث أصبحت لدى الأستاذ استمارة توضح نشاط الطالب المعرفي طيلة الأسبوع والشهر والسنة، ما جعل الكشف عن مدى تقدم الطالب في المقرر وتأخره فيه أمرا ميسورا لكل لجان الرقابة والتفتيش فضلا عن الإدارة التي يتبع لها الأستاذ وتتابعه عن كثب.
2) آلية الرقابة والتفتيش: يخضع الأستاذ في معهد ورش للتفتيش من قبل لجان مختصة، يرصد هذا التفتيش مدى التزام الأستاذ بالنظم المقررة، والأساليب المتبعة والجداول الزمنية المتعلقة بالعطل وبأوقات التدريس، كما يرصد مدى تقدم الأستاذ أو تأخره في مقرراته التدريسية ، ومدى التزامه بالمتون المقررة في كل مرحلة من مراحل التدريس التي يمر بها الطالب قبل الإجازة وبعدها، وترصد هذه التفتيشات الأثر التربوي على سلوك الطلاب، حيث يتلقى الطلاب جملة من الآداب التربوية وأخلاقيات طالب العلم.
3) آلية الامتحانات والاختبارات الفصلية والسنوية:
وذلك بهدف زرع روح المنافسة بين الطلاب ، وشحذ هممهم ، والاطلاع على مدى استيعابهم حفظا وفهما لمقرراتهم الدراسية، كما تهدف إلى كشف مواطن القوة لدى بعضهم فتُعزَّز، ومواطن الضعف لدى البعض الآخر فتُعالج.
4) آلية التكوين: حيث يتلقى الأستاذ في مؤسسة معهد ورش تكوينا مستمرا على طرق التدريس وآلياته الناجحة، كما يتلقى دورات مختلفة في فن التعامل مع الأهالي والوكلاء والطلاب ، فضلا عن تكوينه تكوينا علميا، يعزز مستواه العلمي ويأخذ بيده من مرحلة إلى أخرى فقد ينتقل الأستاذ من أستاذ في أقسام التحفيظ، إلى أستاذ في الأقسام التمهيدية ثم أستاذ في الأقسام النموذجية بفضل هذه التحفيزات والتكوينات المتتابعة.
وكما يستهدف التكوين الأستاذ يستهدف الطالب كذلك، فيُكون الطلاب على الخطابة والكتابة والإنشاد، وكل ما من شأنه أن يشحذ فيهم الجوانب الثقافية والأدبية.
5) المؤسسية الناظمة: تنتظم ذلك كله روح المؤسسية والتراتبية الإدارية الواعية بدورها والمتضلعة بصلاحياتها حيث تتمتع المؤسسة بهيكلة إدارية قوية، تتولى رئاستها الإدارة العامة للمعهد التي تشرف على المؤسسة ككل ثم إدارات الفروع والتي تتولى كل واحدة منها إدارة فرع بعينه من المعهد وتتبع لهذه الإدارات هياكل إدارية أصغر وذلك كالمديرين المشرفين ومديري المنسقيات…
6) إقناع المجتمع الأهلي بالإنفاق المنظم على القرآن الكريم، وهذه من أهم الآليات الفاعلة في انتشار ونجاح مؤسسة ورش ، فبموجب المثابرة والجدية واتباع الآليات المذكورة أعلاه استطاعت مؤسسة ورش إقناع الأهالي بتولي الإنفاق على تعليم كتاب الله فبادرت كل مجموعة بتأمين المتطلبات المادية للفصول بينما تتولى مؤسسة ورش الإشراف والمتابعة لهذه الفصول.
فانتقلت المحظرة بهذه العوامل كلها من حال إلى حال فلأول مرة في تاريخ المحظرة الشنقيطية تكون لدينا مؤسسة محظرية تضم عشرات المديرين ومائات الأساتذة وآلاف الطلاب .
ولأول مرة في تاريخ المحظرة الشنقيطية تطرق التعاليم المحظرية بهذا الكم اللافت أبواب الطبقات المهمشة والأقل حظوة في التعليم بشقيه.
ولأول مرة نجد عشرات المجازات من النساء ، ومئات المجازين وفي ظروف وجيزة من الأطفال والصغار.
فحُق لنا أن نقول إن هذه المؤسسة حققت وثبة نوعية في تاريخ المحظرة الشنقيطية.
بارك الله في مؤسسة ورش وزادها عزا ورفعة إنه سميع مجيب.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات