إفتتاحية/ الأمن المائي و ناقوس الخطر المحدق

 

مع الأسف الشديد إعتماد موريتانيا الكلي في الماء و الكهرباء على نهر السنغال يجعلها أمام مشاكل وجودية حقيقية و ذلك لمجموعة الأسباب التي أصبحت مع الأسف حقيقة يجب التعامل معها .

خنق إطلالة موريتانيا على النهر بسدود خارج مجالها مع حفر قنوات عملاقة من طرف الدول المطلة عليه ، مع تجميد دولة المنبع غينيا كوناكري لعضويتها ينذر بتكرار المثال الاثيوبي إذ حتما ستفكر غينيا بتشييد سد عملاقة يعوض سنوات التهميش من طرف منظمة إستثمار نهر السنغال ، كذلك يأتي في فترة تعرف كل هذه البلدان نهضة إقتصادية تتطلب المزيد من الطاقة و المياه .

كذلك التحدي الجديد هو دخول الصراع الروسي الغربي إلى أفريقيا عبر أنظمة عسكرية شابة تنظر إلى أي بلد حليف للغرب نظرة عداء ، كذلك هذه الأنظمة متعجرفة يمكنها أن تقدم على أي خطوة في حيزها الجغرافي دون النظر إلى المصالح المشتركة مع دول الجوار ، مع محاولات روسيا ضم دول جديدة في غرب أفريقيا عبر انقلابات و ممارسة الضغط على موريتانيا بها و لعل النهر هو نقطة ضعف موريتانيا و السنغال لذلك وجب الحذر
و التنسيق مع السنغال في هذه النقطة .

كثيرا ما كتبنا عن الأمن المائي و فرص بلادنا المهدورة لكن لم نرى أي تجاوب يتجلى في وضع إستراتيجية وطنية واضحة الأسس و المعالم ، و لعل مقدمة الكارثة هي موجة العطش و الانقطاعات المتكررة التي تعيشها عاصمة البلاد هذه الأيام ، كل هذه المحن يجب أن تنتج نخبة شبابية وطنية تنظر إلى الأمام و ليس تحت أقدامها ، أن المشروع اللحظة الذي يحل المشاكل بشكل مؤقت هو الكارثة التي تعصف بنا ، هل نخبنا تقرأ ؟ و تسافر من أجل التعرف على تجارب الآخرين ?!

الآن يجب على موريتانيا أن تقف أمام سؤال كبير و وارد مع الأسف ، ماذا إذا قامت غينيا كوناكري بتشييد سد عملاق و قامت بحل الأزمة مع مالي و السنغال التي تربطها بها حدود و أنهر و روافد ؟

أعتقد لا سياسي موريتاني يملك جواباً لأنه ببساطة لم يطرح هذا السيناريو على نفسه ، لأن معظم نخبنا السياسية لا تعرف بأن السياسة تقوم على مبدأ سوء الظن كما يقول عبدالله النفيسي … التساؤلات الكبرى اليوم تحتم علينا إختيار نوعية المسؤولين و القادة في كل المجالات …

ربما دفعني تجاولي و سنوات من العمل على الضفة إلى تصور ذلك السيناريو و البحث عن رد يكفل لنا حفظ الممكن .

قبل وقوع هذا السيناريو يجب أن نقوم بالخطوات التالية بشكل عاجل و مع إصرار وطني هي :

1 – حفر قناة من بوكي حتى اكرارت إلاك مع تعميقها و تطويرها كي نخلق مساحات زراعية جديدة و نغذي بحيرات الاك .

2 – حفر قناة من رافد كوركل و ذلك من أجل حفظ المياه الزائدة عن حاجة سد فم لكليته و عدم ضياعها في النهر ثم ان هذه القناة ستضمن استفادتنا من إرتفاع مياه النهر و حماية مدينة كيهيدي ، هذه القناة ضرورية جدا و يمكن أن نجعل من مثلث الأمل قطبا تنمويا .

3 – العمل مع دولة مالي على تعميق رافد كركور الذي يغذي بحيرة كنكوصة و ذلك من أجل زيادة المساحة الصالحة للزراعة و جلب مورد مائي مهم .

4 – بناء ثلاث محطات تحلية مياه البحر عملاقة و بمعايير عالمية ، الأولى بين انواذيب و انواكشوط و الثانية بين انواكشوط و تكنت و الثالثة بين تكنت و انجاكو ، هذه المحطات يجب أن تسهم في تحويل المساحات الصحراوية إلى مزارع و تكون كذلك جزء من الإحتياط الاستراتيجي

5 – يجب أن نقوم بعملية إحصاء شاملة و دقيقة لكل الأودية الموريتانية التي تصب في النهر ، و لذلك من أجل تحويلها إلى سدود عندما يصبح الخطر واقعا لأنها تزيد عن حاجياتنا المائية ، نحن لسنا بلدا فقيرا بالمياه بل فقير بالإرادة و البناء

6 – إطلاق مشروع وطني ثوري يتلخص في التحكم عبر سدود عملاقة و أحواض مائية عملاقة و قنوات في كل مناطق الوطن و يضمن التحكم في المياه الموسمية المهدورة .

7 – جلب تكنولوجيا استمطار صناعي و الصين نموذج يستحق المتابعة و الشريك الاستراتيجي مهم ، لأن هذا النوع من التكنولوجيا ضرورية في عالم يستهلك الماء بشراهة

8 – حفر و تعميق كل الروافد و الإستفادة القصوى من مياه النهر دون الحاجة إلى استشارة أحد لأن الجميع يحفر القنوات دون هوادة .

9- تطوير الهندسة العسكرية عبر إرسال بعثات دراسية في الهندسة المدنية نحو الصين و كوريا و ألمانيا و كندا و الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان ، و جلب المعدات الثقيلة المتطورة لتصبح
رافعة تنموية جبارة تسهم في تشييد المشاريع القومية العملاقة و حفر الأنفاق في الجبال للجيش
الوطني الذي تحيط به دول تتفوق عليه جويا عبر أسراب من المقاتلات الحربية المتطورة و أقمار صناعية دقيقة .

أن الإعتماد الكلي على النهر خطأ استراتيجي يتجاوز إلى الخطر الوجودي لنا كبلد ، مرة أخرى يجب أبعاد المحاصصة و القبيلة عن العملية التنموية ، ثم جمع النخب الوطنية المهاجرة و المحلية في هيئة تقوم بوضع الخطط والبرامج و رسم الاستراتيجيات الوطنية بشكل حر يسهم في تثقيف السياسيين الذين مع الأسف الشديد ثبت بأنهم لا يمتلكون رؤية واضحة و لا مشروع وطني عظيم .

على النخب أن تسمو بطرحها و تجيب على التساؤلات الكبرى دون مجاملة أو خوف ، و على السياسيين أن يجلسوا في مجالس التحليل و الفكر و السياسية الواعية لتثقيف أنفسهم و ترك البادية و الإبل و المقاولة و مجالس الترف …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى