إلى القادة.. لا نريد قمة إضافية، نريد منعطفًا في تاريخ “الأمة” .. بقلم /أحمد العالم

في عالمٍ يزداد اضطراباً، وتتعاظم فيه الأزمات التي تمس جوهر وجود الأمة، تعقد الدول العربية والإسلامية قمةً استثنائية جديدة. لكن السؤال الجوهري يفرض نفسه بإلحاح: هل ستكون هذه القمة مختلفة عن سابقاتها، أم أنها ستُضاف إلى قائمة طويلة من الاجتماعات التي امتلأت بالبيانات الختامية والوعود المؤجلة؟

لقد اعتاد الشارع العربي والإسلامي أن يسمع منذ عقود عبارات رنانة عن التضامن، والتكامل، والدفاع عن الحقوق، غير أنّ الحصيلة على أرض الواقع كانت دائماً أقل من التطلعات بكثير. فما قيمة قمة جديدة إذا لم تُفضِ إلى مواقف جريئة وقرارات مُلزمة تتجاوز اللغة الدبلوماسية الناعمة، إلى فعلٍ سياسي حقيقي يحمي مصالح الشعوب ويُعيد الثقة المفقودة؟

إن القضايا الكبرى التي تواجه الأمة ـ من فلسطين الجريحة تحت نار الاحتلال، إلى السودان واليمن وليبيا وسوريا الممزقة بالصراعات، مروراً بالتحديات الاقتصادية، وأمن الطاقة والغذاء، والتحولات الجيوسياسية الكبرى في العالم ـ كلها ملفات لا تحتمل أن تُدار بمنطق المجاملة وتدوير الكلام. الشعوب لا تنتظر عبارات “التنديد” و”الإدانة”، بل تنتظر رؤية مشتركة وخطة عملية واضحة، يكون فيها القرار العربي والإسلامي كتلة صلبة في مواجهة العواصف.

لقد آن الأوان لأن تكون القمم العربية والإسلامية مختبراً للإرادة السياسية، لا مجرد منصّة للصور الجماعية. إن التحدي الأكبر ليس في صياغة البيانات، بل في ترجمتها إلى سياسات خارجية، وآليات اقتصادية، وأدوات ضغط دبلوماسي، تجعل كلمة الأمة مسموعة ومهابَة في الساحة الدولية.

المطلوب اليوم هو الانتقال من “خطاب رد الفعل” إلى “سياسة الفعل”، ومن منطق التشتت إلى منطق التكتل. وهذا لن يتحقق إلا بامتلاك شجاعة اتخاذ القرارات الصعبة: تفعيل السوق العربية المشتركة، بناء منظومة دفاعية وأمنية واقتصادية مشتركة، دعم حقيقي للقضية الفلسطينية يتجاوز التمويل والإغاثة إلى الموقف السياسي القوي، وإيجاد حلول عملية للأزمات الداخلية بدل تركها نهباً لتدخلات الخارج.

إن القمة قطر فرصة تاريخية لإعادة تعريف معنى “التضامن العربي والإسلامي” في القرن الحادي والعشرين. فإما أن تكون محطة مفصلية تُعيد الثقة إلى شعوب أنهكتها الخيبات، أو أن تتحول إلى حلقة جديدة في سلسلة من الاجتماعات البروتوكولية التي لا تغيّر شيئاً.

ولذلك، فإن الرسالة الأصدق التي يمكن أن تُوجَّه اليوم إلى القادة المجتمعين: لا نريد قمة استثنائية مكررة، نريد قمة فارقة، تُعيد الاعتبار لكرامة الأمة ووزنها في عالمٍ لا يحترم إلا الأقوياء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى