ملاحظات عابرة على انتخابات 2023..بقلم موسى آبياه

سأقتصر في حديثي عن الانتخابات على إبداء بعض الملاحظات العابرة فالعملية لم تصل إلى نهايتها بعد،
وغيابي الطويل عن البلد يحرمني من متابعة كل الأحداث والتفاصيل .

مزايا التعاون بين الحرس القديم والحرس الجديد

من الواضح أن الجمع بين وزير داخلية ولد الطايع الذي تولى قيادة اللجنة الوطنية للانتخابات وبين وزير داخلية غزواني واسع النفوذ قد وفر للسلطة فرصة لتمرير الاستحقاق على الوجه المطلوب حيث تم الإجهاز على المعارضة واستبدلت بجماعات مناوئة لقياة الحزب الحاكم و تتفوق عليها في الولاء والإيمان بالرئيس و “تعهداته” تعمدها الله برحمته.
وهكذا شهدت موريتانيا عملية منافسة شرسة لم تشهد لها مثيلا منذ زمن بعيد ، لكنها منافسة يحدها سقف “التصوف” في ذات الزعيم الطاهرة.
استوت الطبخة وتمت تصفية أحزاب المعارضة التقليدية وبقيت فزاعة حزب الإخوان وسمح للرئيس بيرام وبعض العناصر الشبابية بالبقاء وإن بشق الأنفس فالطبخة لن تكون شهية وديمقراطية بدون “بهاراتها”
التسجيل عن بعد يكفي الوزيرين ويغنيهما عن التزوير على نطاق واسع ، فهو تزوير مشروع قبلت به جميع أطراف اللعبة وسيكون في النهاية في صالح من يملك المال والجاه أي في صالح السلطة.

أحزاب المعارضة ؛ كان صرحا من خيال فهوى

لقد نالت الأيام والمواقف والوقائع من رموز المعارضة التقليدية، فقد وقفت عقبة السن القانوني للترشح في وجه القائدين البارزين ولد داداه وولد بو الخير ،ولاحقتهما تهمة الدكتاتورية الحزبية، ووقعا في فخ المفاضلة غير المبررة بين الجنرالين عزيز وغزواني
نتيجة لذلك آلت شمس داداه الى المغيب سياسيا بعدما توهجت في دنيانا عقودا،  وخفت صوت القائد مسعود بعدما كان مجلجلا.
لقد بدأ مسار تصفية الحزبين والزعيمين مع ولد الطايع الذي سجنهما وطاردهما وشتت شملهما بين الأحزاب بعدما جمعهما “التكتل” ، واستمرت محنتهما أيام عزيز الذي أنتج “ظاهرة برام ” وسمح لشجرة تواصل بالتمدد كيما يهمشهما لتكون النهاية بالضربة القاضية من الرئيس الحالي الذي منحهما ما يكفي من البسمات وحرمهما من أي تمثيل في البرلمان،
وهكذا كان أسلوب الرئيس ولد الغزواني أكثر نعومة وتأثيرا.
أما الرئيس ولد مولود فقد قاد حزبا نقطة قوته وحدة عناصره وانسجامهم فكريا وسياسيا ، وحين عجز السياسي المحنك عن حماية هذه المرتكزات أصيب الحزب في مقتل ووصل إلى ما وصل إليه من وهن

حزب تواصل والأنظمة : التقاء المصالح أم زواج متعة

نقطة قوة وضعف حزب تواصل وسبب وجوده -و ربما حله لاحقا -هي خلفيته الإخوانية
إن وجود جماعة إخوانية منضوية تحت شعار حزبي أونقابي أو تنظيم سري يعني ببساطة الخضوع للجماعة ممثلة في التنظيم الدولي ويعني في بعد آخر منح فرصة للنظام للمزايدة والمكايدة والابتزاز وقد مثل وجود تواصل فرصة أحسن الطرفان في النظام والاخوان استغلالها
لقد استفاد ولد عبد العزيز من التواصليين وخروجهم المتكرر عن إجماع المعارضة فسمح لهم بالحصول على تمثيل معتبر في البرلمان ضاربا عصفورين بحجر ، فمن جهة حصل على فزاعة يستدر بها مال الدول العربية المعادية للجماعة ومن جهة أخرى تمكن من شق صفوف معارضيه وتجاوز الأحزاب والرموز التقليدية المعارضة التي ناصبته العداء ، وظلت علاقة الطرفين تتأرجح مابين التهويل والتهوين إلى أن انتهت مأموريته الثانية وهم على حافة الطلاق البائن
الجماعة بدورها حصلت على زعامة المعارضة التقليدية ، وتعلمت بسرعة أساليب العمل السياسي العلني وتوفرت لها المنابر السياسية والاعلامية فحققت مزيدا من المكاسب
لكن مشاكل كثيرة ظهرت مع مجيء الرئيس الغزواني فقد انشقت جماعات من الحزب وبادرت بتأييد عزواني منذ ترشحه واستمر التشظي وفي النهاية وقع الحزب في فخه الرئيس وطبع معه ،فظهر التناقض مابين حيازة زعامة ” المعارضة ” من جهة والقرب الشديد من النظام من الجهة الأخرى
لقد عكست نتيجة الانتخابات الحالية المعلنة حتى الآن سياسة غزواني – التي تشبه أسلوب ولد الطايع – حيث لا يسمح بخصم قوي غير أن ولد الغزواني يتعامل مع منافسيه بقفازات ناعمة ، لذلك يتعامل مع تواصل بكثير من الهدوء فوجود الحزب يمنح النظام بعض المزايا لكن بشرط أن لا يكون حضوره قويا

الرئيس بيرام: انقلاب السحر على الساحر

لا يختلف اثنان في أن الرئيس ولد عبد العزيز كانت له علاقة ملتبسة بظهور واستفحال ظاهرة بيرام ولعله أراد بذلك ضمان التفاف الجماعات المحافظة حول نظامه، فضلا عن المشاغبة على المعارضة التقليدية بخطاب أكثر راديكالية وشعبوية ، وقد تعاملت دوائر النظام مع بيرام بأسلوب مركب ومعقد ، فكان كلما خرج عن السيطرة أو لاح للرئيس عزيز أن صمته عنه ربما يراه المراقبون ضعفا نكل به ،وكلما حضرت الانتخابات وفر له ما يلزم من تزكيات وأموال
ومن الواضح أن بيرام استغل الفرصة إلى أبعد الحدود فحصل على مبالغ طائلة من المعارضين لنظام ولد عبد العزيز وحين استلم الرئيس غزواني الحكم استقبل الرىيس بيرام وطيب خاطره ورحب برجال الأعمال الذين اضطهدهم ولد عبد العزيز وأعادهم إلى البلاد ، لكن بيرام لم تعجبه الوعود الخلبية وأراد أن يلعب لعبته الأثيرة من جديد ، وهنا تفاجأنا بحجم التسريبات التي توثق وتكشف حجم المبالغ التي تقاضاها نتيجة استغلال قضية لحراطين ، هنا انقلب السحر على الساحر
لقد اكتشف لحراطين  -واكتشفنا معهم – أنهم مجرد ضحايا لخطاب شعبوي تافه ،يستغل مشكلتهم لتحقيق مصالح شخصية
لقد صار في مقدورنا الجزم بأننا إذا افترضنا أن مشكلة لحراطين لقيت حلا عادلا اليوم فإن بيرام سيكون ضحية دون غيره لهذا الخبر السعيد ، لأنه وحده من نال بمصيبتهم مئات الملايين
وعليه فمن الواضح أن نجم برام إلى أفول في هذه الانتخابات وفي غيرها شريطة أن يقدم النظام شيئا ملموسا على صعيد العدالة الاجتماعية وأن ينحاز في خياراته الاقتصادية لصالح الفقراء ، وإلا فإن بيرام سيظل له جمهوره الذي يعرف حقيقته لكنه يعاقب به نظاما لم يستطع تقديم أي إنجاز

خلاصات
1 – لقد انتهت حقبة المعارضة التقليدية وغابت عنها الشمس مع كامل الأسف
2 – حزب تواصل غير أساسي في أجندة الرئيس الحالي لذلك لن يقوم بحله ولن يسمح له بالتمدد والأرجح أن يتعرض لمزيد من الانقسامات وأن تبرز الأبعاد الجهوية والقبلية للقادة والمنتسبين لتحل محل الولاء الأديلوجي
3- شعبية الرئيس بيرام الداه اعبيد ستشهد المزيد من النزيف فقد اتضحت الأمور تقريبا ولاشك في أن النظام يحتفظ بالمزيد من التسريبات للقادم من المناسبات ،على أنه يظل ورقة بيد الأنظمة تستغله بحسب الظروف

4 – على الرئيس غزواني أن يعتبر بما حل بحزب الرباط المدعوم من طرف سلفه وأن يفهم أن ولاء السياسيين لكرسي الرئاسة وليس لشخص الرئيس
لقد عجز حزب الرباط عن الحصول على أي بلديةاأو أي ممثل برلماني وسظل الأمر كذلك في المستقبل
5 – السلطة تحارب مفهوم الدولة وتقضي عليه من خلال تشجيعها واستغلالها للبنيات القبلية والجهوية والطبقية والشرائحية
6 – هذه الديمقراطية لاتناسب ظروفنا ولا تنتمي إلينا
يجب البحث عن صيغة  يكون التمثيل فيها أكثر عدالة وتحد من سطوة أصحاب النفوذ الاجتماعي ورجال الأعمال وتحمي حقوق الغالبية العظمى من الشعب ولو بالرجوع إلى خيار المزج بين النقابات والأحزاب
7 – لقد كانت الحملة الأسوأ من حيث الخطاب وكان الاقتراع الأسوأ من حيث التنظيم
8 – لقد اكتمل المشهد المطلوب من طرف عزواني  وداعميه داخليا وخارجيا ، فموريتانيا على أعتاب استخراج الغاز هذه السنة ، والغاز سلعة استراتيجية يجري حولها الكثير من الصراعات  خاصة في هذه الفترة.
المطلوب من النظام هو التحكم في الأمور بطريقة سلسة تراعي وتحقق استقرارا سياسيا يسمح بتدفق الطاقة إلى أوروبا من مصدر قريب
لكن علينا أن نتذكر وجود القطب الشرقي وأن لا ننسى أن المؤسسة العسكرية لها تاريخ عريق في إصدار البيان رقم واحد
خلاصة القول أن النظام أكمل لعبته وأنه لا يوجد طرف مدني يستطيع تهديده لكن اللعبة لم تنته بل ربما بدأت توا أو لم تبدأ بعد

موسى ابياه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى