إذا كان فقهاء القانون والسياسة يعتبرون الأحزاب السياسية وسيطا اجتماعيا وسياسيا أساسيا، يهدف إلى الربط المباشر والدائم بين المؤسسات الحكومية القائمة والمواطن من خلال عقلنة وتنظيم العمل السياسي بالآليات الدستورية المتاحة، في مقدمتها شرعية تمثيل مصالح المواطنين والدفاع عنها، وحق الوصول إلى السلطة وقيادة الحكومة أو الانضمام إلى المعارضة، فإن الحزب لا يمكنه تحقيق تلك الأهداف إلا بتوظيف وتكوين القادة السياسيين، واختيار وانتقاء المرشحين للانتخابات العامة من المناضلين الأكثر شعبية ونضالا وكفاءة الذين سيقنعون المواطنين ويمثلونهم أحسن تمثيل، أو بتعبير أخر القيام بدور الوسيط الأمثل. وعندما تنجح الأحزاب السياسية في أن تكون هي الوسيط الأساسي بين الناخبين والحكومة فإنها تساهم بشكل واضح في عملية الاستقرار السياسي، من خلال الدور الذي تؤديه في تحقيق الاندماج الاجتماعي، وذلك بدفع المواطنين للمشاركة السياسية الفاعلة في إطار النظام السياسي القائم. وعلى هذا الأساس سنعالج من خلال هذا المقال التحديات التي ستواجه الحزب الحاكم بموريتانيا ” حزب الانصاف” وسبل تجاوز مأزق إعادة تشكيل المشهد الساسي على أبواب الانتخابات المحلية والنيابية، وفي ظل ما تعيشه البلاد من متغيرات وتحولات على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية …الخ، وما يتطلبه ذلك من ذكاء سياسي واطلاع عميق على تشكيلة الفسيفساء الاجتماعية والسياسة المنضوية تحت لواء الحزب وما تتميز به من تنافر وتنافس بينها يطغى على انتمائهم للحزب وينعكس سلبا على أدائه وموقعه أمامه الانتخابات. إذ أن تغيير إسم الحزب الحاكم من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إلى حزب الانصاف ليحمل أكثر من رمزية ودلالة كبيرة توحي أن هناك زلزالا ما سيحدث على المشهد السياسي الوطني برمته، ولكن كيف سيتم ذلك؟ وماهي آليات التغيير المنصف المنشود؟. للإجابة على تلك التساؤلات لابد للحزب من اعتماد إحدى الخيارات أو السيناريوهات الثلاثة التالية: 1- اعتماد الانتساب المزيف لحزب الاتحاد في الترشحات المقبلة: وهو ما يعني الانتحار السياسي وبقاء المشهد على حاله، وضياع التغيير والانصاف وزعزعت الثقة لدى المواطنين في تعهدات رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني، التي بدأت نتائجها الإيجابية تلامس حياتهم اليومية سواء كان ذلك على مستوى الضمان الصحي والمؤازرة المادية والمعنوية للطبقات الهشة، أم على مستوى التفاعل الإيجابي والسريع مع كل الاحداث والطوارئ على المستوى الوطني. 2- اعتماد الوثيقة الغير مكتملة المنسوبة لوزارة الداخلية: سيشكل اعتمادها لاشك تصدعا وشرذمة كبيرة في الحاضنة والقواعد الشعبية للحزب، ستؤدي إلى هجرة واسعة من المغاضبين وانتشارهم على كل الاتجاهات ما بين الأحزاب، نظرا لما تضمنته الوثيقة من تقييم خاطئ للخريطة السياسية المحلية للحزب لا ينطبق على الواقع، وما تكشفه من محاباة و انعدام المصداقية غيبت قطاعات واسعة وفاعلين كبار من القواعد الحزبية. وهذا، ما سيشكل خطرا جديا على حصول الحزب على الأغلبية المطلقة والمريحة في المجالس المحلية والبرلمان، الامر الذي قد يخلق للحكومة مأزقا يدفعها الى الدخول في التحالفات. 3- الاعتماد على مخرجات الاشراك والانصاف الحقيقي لمختلف الفاعلين السياسيين: يعتبر هذا الخيار الأخير هو الأنسب والأكثر تماشيا مع روح الانصاف التي أصبحت إسما وشعارا للحزب مستمدة من برنامج رئيس الجمهورية، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إنشاء لجان محلية موسعة تضم ممثلين عن الجميع( مجموعات، تيارات، مبادارات، تكتلات، منظمات المجتمع المدني…)، تحت إشراف لجان حزبية غير مصنفة وتحظى بالثقة، وتتولى هذه اللجان المحلية بالتوافق مهمة توزيع المناصب الانتخابية والحزبية وتمثيل الجميع أغلبية وأقلية، وتقديم الممثلين الذين يزكونهم لشغل تلك المناصب. وفي الأخير سيشكل اشراك الجميع وتقدير جهود كل أولئك الفاعلين على مختلف مستوياتهم تماسكا قويا للخزان الانتخابي الذي يحظى به الحزب داخل تلك الأوساط، وسيمكنه من اكتساح البرلمان والمجالس المحلية بلا منازع ، وإعادة تشكيل المشهد السياسي بآليات الانصاف الحقيقية والمنشودة، وستفضي إلى استقرار سياسي وارتياح ورضى كبير لدى المواطنين سيجعلهم ينخرطون في العملية التنموية بفعالية.