حكومة موازية.. هل تتجه السودان نحو نموذج ليبي جديد؟

خلف أبواب موصدة في العاصمة الكينية نيروبي، وقعت قوات الدعم السريع السودانية، التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، ميثاقا سياسيا مع بعض القوى السياسية والحركات المسلحة، يقضي بتشكيل حكومة موازية للحكومة الموجودة في الخرطوم، حيث يتولى الطرف الثاني في الحرب ممثلا في الجنرال عبد الفتاح البرهان قيادة مجلس السيادة الانتقالي، وقيادة الجيش كذلك.
وينص الميثاق الذي غاب عن توقيعه حميدتي، وحضر نائبه شقيقه عبد الرحيم دقلو، على تشكيل حكومة “سلام ووحدة”، رغم أن الحرب مستعرة، والوثيقة لا تحظى بموافقة الجميع.
لكن قوات الدعم السريع تقول إن حكومتها المنتظرة ستقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرتها، وإن هدفها هو “إنهاء الحرب وضمان تدفق المساعدات الإنسانية بلا عوائق والحفاظ على وحدة السودان”.
ومن ضمن ما يدعو إليه الميثاق الذي يتجه نحو توتير علاقات الخرطوم ونيروبي، “تأسيس وبناء دولة علمانية ديمقراطية لامركزية قائمة على الحرية والمساواة والعدالة، غير منحازة لأي هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية”، وفق ما تداولته وسائل إعلام دولية وإقليمية.
كما ينص الميثاق كذلك على إنشاء “جيش وطني جديد وموحد ومهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة، يعكس التعدد والتنوع اللذين تتسم بهما الدولة السودانية”.
ويتضح من خلال خطوة الدعم السريع هذه، أن دولة السودان تتجه نحو نموذج ليبي جديد، حيث ستبقى حكومة الخرطوم معترفا بها دوليا وأمميا، وحكومة حميدتي ستظل تبحث عن الشرعية، ولن تعدم في الغالب سندا واعترافا من بعض الأطراف الإقليمية والدولية.
إن تشكيل سلطة موازية لسلطة الخرطوم، هو تكريس للمزيد من الانقسام السياسي والعسكري، والاجتماعي والاقتصادي لبلد عايش وتعايش مع الكثير من الصراعات والأزمات، وقادت أحدثها قبل الحرب الحالية المستمرة منذ منتصف ابريل 2023، إلى تأسيس دولة في الجنوب عام 2011 باتت تعرف بدولة جنوب السودان.
وهو سيناريو على خطورته وفشله – حيث تصنف جنوب السودان ضمن مصاف الدول الفاشلة على الصعيد العالمي بفعل التحديات العديدة التي تواجهها على مختلف الأصعدة – يبدو أن قوات الدعم السريع تسير في اتجاهه، فبعد فترة لا يستبعد أن يطالب حميدتي بانفصال دارفور وبعض الأقاليم الأخرى، من أجل أن تصبح هناك دولة سودانية ثالثة.
ومن أجل تعزيز حضورها، بعد الانتكاسات الميدانية التي تعرضت لها خلال الفترة الأخيرة، تحالفت قوات حميدتي مع “الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال” بقيادة عبد العزيز الحلو، والتي تسيطر على أجزاء من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وهي خطوة تعزز كذلك فرص إمكان وصول هذه القوات إلى الحدود مع ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، ما سيسهل لها وصول المدد العسكري الحربي، وتدفق المرتزقة المقاتلين، خصوصا وأن بعض هذه البلدان ليست على علاقة جيدة مع الخرطوم.
إن عامين تقريبا من اقتتال الجنرالين على السلطة، دون حسم أي منهما المعركة لصالحه، رغم الكلفة الباهظة إنسانيا واقتصاديا، لمؤشر كاف على استحالة انتصار الجيش أو الدعم السريع، ولو كلف ذلك تدمير ما تبقى من بشر وحجر.
لقد عكست حرب التدمير هذه التي يعتبرها البرهان حربا “من أجل الكرامة”، ويقول حميدتي إنها من أجل ملاحقة من يصفهم ب”الانقلابيين”، فشل النظام الإقليمي والدولي الذي ظل عاجزا أمام مشاهد الإبادة اليومية بحق المدنيين العزل، مكتفيا باجترار عبارات التنديد والرفض والدعوة للسلام، أو اتهام الطرفين بارتكاب جرائم حرب، في أحسن الأحوال.
إن حل هذه الأزمة المستعصية يبدأ بوقف الحرب أولا، واستعداد الطرفين للتنازل لصالح ما تبقى من السودان، بعيدا عن التمسك بالمناصب والكراسي، ومن ثم البدء في إعادة التأسيس لدولة قائمة على مرتكزات أكثر صلابة، تحقق عدالة انتقالية، ومواطنة حقة، وتقود إلى بناء ديمقراطية تتجاوز كل الانتماءات.
وإذا نجح السودانيون في ذلك، فإنهم سيقطعون الطريق أمام أي سيناريو للتقسيم والتفكك والتحول إلى دويلات صغيرة، تتوارث الهشاشة، والخيط الناظم بينها هو العصبية والانتصار للذات، أما في غياب ذلك فإن الأمر لن ينتهي بمجرد توقيع ميثاق يؤسس لحكومة موازية يعلن عنها خارج الحدود.
محفوظ السالك