مقابلة :حمادي سيدي المختار رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الموريتاني: الحزب عصيّ على التذويب ويتمتع بحيوية داخلية وتداول ديمقراطي منتظم

حاوره: عبد الله مولود: هذا الحوار الخاص مع «القدس العربي»، يقدّم حمادي سيدي المختار، رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل»، رؤية واضحة ومباشرة لمواقف حزبه من أبرز القضايا المحلية والإقليمية.
لا يتردد في وصف العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه «حرب إبادة مكتملة الأركان»، متهمًا الأنظمة العربية بالصمت والتواطؤ، ومشدّدًا على أن التطبيع «طعنة في ظهر المقاومة وخيانة صريحة للقضية الفلسطينية»، ومؤكدًا «أن حزبه سيبقى في صفّ مناهضة التطبيع دائمًا».
أما داخليًا، فيقلل من أهمية الانسحابات والانشقاقات التي شهدها حزب التجمع الوطني للإصلاح ذي المرجعية الإسلامية خلال السنوات الأخيرة، ويرى فيها محطات طبيعية لمشروع «صلب وعصيّ على التذويب»، يتمتع بحيوية داخلية وتداول ديمقراطي منتظم.
وأكد ولد سيدي المختار «أن المعارضة بالنسبة له «ليست مجرد تسجيل موقف»، بل «مشروع بديل»، يدعو إلى تقييم مستمر للمسار ومواكبة متجددة للتحولات، في إشارة إلى سعي الحزب الدائم للحفاظ على توازنه بين المبادئ والثوابت من جهة، والواقعية السياسية من جهة أخرى.
كل هذه النقاط وغيرها تطرق لها الحوار التالي:
○ كيف تقيّمون أداء المقاومة الفلسطينية في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، وهل ترون أن استراتيجيتها العسكرية والسياسية نجحت في إفشال مخططات الاحتلال؟
• نعلم أن حجم العدوان الإسرائيلي على غزة غير مسبوق.. فترسانة الكيان كلها لم تكف نهمه للقتل والإبادة؛ لتمد له جسور جوية من دول غربية باتت شريكة له، وذلك طيلة عدوانه الآثم المستمر منذ سنة ونصف؛ وقد شمل إمداد دول غربية عديدة الدعم الاستخباراتي الذي جعل سماء غزة محجوزة لطائرات التجسس المتطورة؛ ورغم هذه الحرب غير المتكافئة؛ فقد أبانت المقاومة الفلسطينية عن استبسال عز نظيره وحققت استراتيجيتها العسكرية والإعلامية اختراقا كبيرا، وحققت أهدافا عملياتية مبهرة؛ دلت على أن البسالة والصمود والإيمان بالقضية يصنع الفارق؛ وهذا الصمود المبهر هو الذي دفع الكيان لمواصلة الأفعال الوحيدة التي يتقن وهي التدمير الكامل للمدن والإبادة الشاملة للسكان؛ إذ تجاوز عدد الشهداء حتى الآن خمسين ألفا، فضلا عن عشرات آلاف المفقودين بعضهم تحت الأنقاض وبعضهم في الأسر. وهذه ليست حصيلة حرب؛ هذه حصيلة تدعو للخزي لمن اقترفها، والغرب يتحمل وزر المشاركة فيها أو مناصرتها ويتحمل العالم كله وزر الصمت عليها والعجز عن لجم جنون مرتكبيها.
لقد فشلت كل مخططات الكيان الغاصب الجبان في تهجير أهل غزة أو في تجريم المقاومة وفصلها عن حاضنتها الشعبية، وذلك بسبب تجذر المقاومة في الوجدان الشعبي الفلسطيني وكونها ليست حالة معزولة بل خيار شعب حر بأسره.
○ شهدت موريتانيا تفاعلاً واسعًا مع القضية الفلسطينية، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، كيف تقيمون هذا الدعم؟ وهل تعتقدون أنه كافٍ مقارنة بحجم الجرائم الإسرائيلية؟
• عرفت موريتانيا طيلة تاريخها حالة اجماع سياسية وشعبية لدعم قضية الأمة المركزية قضية فلسطين، وتعلمون حالة الرفض الواسعة التي جوبهت بها الحالة الاستثنائية الوحيدة في هذا المسار؛ حين طبع نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع مع الكيان الصهيوني إبان الأزمة السياسية التي عرفها نظامه، حينها قادت قوى سياسية مهمة حالة الرفض لموجة التطبيع، وقد كان التيار الإسلامي في طليعة هذه المجابهة القوية بالإضافة لكافة القوى السياسية الحزبية والمدنية آنذاك.
واليوم يتعزز هذا التوجه بتجذر حالة الاجماع الشعبي والمؤسسي المعارض والموالي؛ فكافة القوى السياسية والمدنية نظمت فعاليات متنوعة لمناصرة المقاومة ودعمها ورفض العدوان وشجبه، وقد عرفت هذه الفعاليات تنوعا كبيرا ورفعت سقف تنديدها، إذ نظمت مثلا وقفات عديدة أمام سفارات الدول الداعمة للكيان في حربه وأوصلت رسائل قوية لهذه البعثات الدبلوماسية تعبيرا عن المزاج الشعبي والحزبي الموريتاني داعية هذه القوى الدولية لمراجعة مواقفها من هذه الحرب الآثمة إذا كانت تريد علاقات صداقة صحية مع هذه الشعوب العربية والإسلامية التي تعتبر العدوان على غزة عدوانا عليها.. فضلا عن ما في هذا الدعم من مجانبة الحق والقانون الدولي ومقتضيات الشرعية الدولية، بل مقتضيات القيم الغربية نفسها التي سقطت ورقة التوت عن ستارها الزائف وبان أنها شعارات تخفي وراءها حقائق صادمة من العنصرية والظلم والقهر للشعوب التي تريد هذه المنظومة الغربية إخضاعها ورفض تحررها واستقلالها.
لقد كانت ساكنة موريتانيا كلها سباقة دوما في العمل المناصر لفلسطين وقد تجلى ذلك في خروج المسيرات والمهرجانات والوقفات المدينة للعدوان والمطالبة بوقف الحرب بشكل مبكر ردا على التطورات الصعبة المتعلقة بالمجازر والتصعيد العدواني وتناغما مع دعوات المقاومة للإسناد في الساحات والضغط على الكيانات الداعمة للكيان.
كما عرفت موريتانيا من خلال مبادرات مجتمعية شاملة جمعا للتبرعات استمر حتى الآن شاركت فيه الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وأدت فيه القبائل دورا محوريا وتنافست فيه تنافسا إيجابيا سبيلا للتخفيف من معاناة أهلنا في غزة.
وقد ساهمنا كحزب في ثلاث جولات بالتبرع كمؤسسة حزبية لأهل القطاع؛ كما دعونا مناضلينا مرارا للانخراط في التبرع لغزة من خلال المؤسسات والأطر المتخصصة في هذا العمل كالرباط الوطني لمناصرة الشعب الفلسطيني الذي شكل على مدى سنوات منذ تأسيسه مستهل الألفية الإطار الجامع للقوى الحية الداعمة لفلسطين والمناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وبرهنت الحالة الشعبية والمؤسسية (الحزبية والنقابية) على حالة إجماع لدعم خيار المقاومة ومناصرة الشعب الفلسطيني في كفاحه العادل لنيل استقلاله وحريته، ولصون مقدساته وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك الذي هو وقف إسلامي وأولى قبلة المسلمين وثالث مسجد تشد إليه رحالهم.
○ ما موقف حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية من مسألة التطبيع العربي المتزايد، وهل تعتقدون أن الصمت الإسلامي تجاه هذه الخطوة يمثل تهديدًا استراتيجيًا للقضية الفلسطينية؟
• بطبيعة الحال فأحد ركائز رؤيتنا السياسية هو رفض التطبيع جملة وتفصيلا لاعتبارين جوهريين: الأول كون هذا التطبيع يشكل طعنا في الظهر للمقاومة الفلسطينية وممالأة للاحتلال؛ ومناصرة له في احتلاله للأراضي الفلسطينية، وخذلانا للمقدسات في سلسلة من المعاني الخطيرة التي تشكل في نظرنا حالة خيانة للأمة وخيانة لهذا الشعب المقاوم الذي نعتبر أرضه أرضا إسلامية مقدسة وقضيته قضية أمة.
والاعتبار الثاني هو اعتبار سياسي مصلحي؛ إذ نعتبر التطبيع ممارسة ثقافية وسياسية لن تؤدي إلا لقيام هذا العدو الآثم باختراق كيان الأمة وإضعاف ممانعتها وبث الفرقة والخلاف بين مكوناتها تشهد بذلك سيرته وتشكيله النفسي الذي يقف موقفا سلبيا من شعوب هذه الأمة ويعتبر قيمها الدينية قسيما له، لا يمكن أن يجذر وجوده إلا بضربها وشن حرب ثقافية وقيمية عليها.
كل هذا يجعل موقفنا في تواصل الرفض لـ «التطبيع مع الكيان الصهيوني» موقفا مبدئيا وليس مساومة سياسية ظرفية.
وموجات التطبيع التي تعرف مدا وجزرا في منطقتنا العربية والإسلامية هي تعبير عن حالة اللامشروعية لبعض هذه الأنظمة. وقد لاحظنا علاقة طردية بين التطبيع ووجود النظام المطبع في أزمة سياسية داخلية أو خارجية، ومن الواضح أن هذه الموجات التطبيعية مرفوضة شعبيا بشكل واسع وأكيد وستظل سطحية حتى تزول بزوال مسبباتها.
ونحن ندعو إلى الاقتداء بالتجربة الموريتانية في رفض التطبيع. حينما شكل الموريتانيون بمختلف قواهم السياسية إطارا جامعا لرفض التطبيع مع الكيان، وانخرطت قواهم الطلابية والمجتمعية والسياسية في حراك رافض لهذا المشروع الخطير؛ وعليه فإننا ندعو لتشكيل حلف شعبي إسلامي من جاكرتا إلى دكار لرفض التطبيع وتجريمه قانونا؛ وفضح الكيانات المطبعة والضغط على أي نظام مطبع حتى يرضخ للمطالب الشعبية في هذا المنحى.
○ في ظل حجم الدمار الذي خلّفته حرب الإبادة في غزة، والتصريحات الأخيرة لدونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين، كيف ترون مستقبل الأوضاع في فلسطين؟ وهل تعتقدون أن هناك إرادة دولية حقيقية لمنع مخططات التهجير القسري؟
• المراهنة من طرف بعض القوى الدولية وخصوصا أمريكا على التفوق العسكري والتهديد بالجحيم مراهنة ساذجة، فكأنها تفترض أولا أن هذا الشعب الفلسطيني المحتل الصامد لم يتعرض لمثل هذه الأوضاع فنصف سكان غزة من المخيمات التي تعرضت للإبادة والقتل وغزة خرجت من ركام حروب قتل وإبادة، آخرها هذه الإبادة المستمرة غير المسبوقة، فما الذي يهدد به ترامب شعب غزة؟
وميزان القوى الحقيقي الذي يمنع تصفية القضية الفلسطينية ويفشل الكرة بعد الكرة مخططات تصفيتها الخشنة والناعمة هو الحق الفلسطيني نفسه والشعب الفلسطيني الصامد والمقاومة التي يفرزها منذ عقود. وخير للعالم أن يتنادى لمقاربات تُعلي من قيم العدالة والإنسانية تنصف هذا الشعب المحتل المضطهد؛ وتصل به لحل عادل وشامل.
ولا أدل على عبثية خطة ترامب للتهجير أو التملك لغزة إلا حجم الأصوات العالمية الرافضة لهذا السيناريو العبثي.
ومع ذلك فإن الأمة معنية بالتنبه والحذر من مثل هذه المشاريع الساعية لتصفية الحق الفلسطيني رغم قناعتنا بفشل مراميها وانكسارها على صخرة الصمود الفلسطيني والوعي الإسلامي العام.
○ كيف تنظرون إلى التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، خاصة مع تسارع وتيرة العلاقات بين الاحتلال وعدد من الدول الأفريقية؟ وما هي مخاطره على القضية الفلسطينية ومستقبل القارة؟
• جذور التغلغل الصهيوني في القارة الأفريقية كما تعلمون قديم إذ تعود بداياته إلى مطالع الخمسينات، حيث كان للكيان الغاصب علاقات دبلوماسية مع جل دول القارة، عدا الدول العربية-الأفريقية، حتى حرب 1967؛ إذ أدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن، واحتلال أراض واسعة من هذه الأقطار الشقيقة إلى تغيير صورة إسرائيل، من كيان وليد ومسالم، إلى دولة قوية عدوانية وتوسعية. حيث شكل هذا العدوان بداية مراجعة للعلاقات لدى بعض الدول الأفريقية، وبداية مسار كذلك لقطع العلاقات حيث اقتصر في البداية على عدد لا يتجاوز رؤوس الأصابع من دول أفريقيا فقط.
أما الدول الأفريقية الأخرى، فقد استمرت في علاقاتها بإسرائيل حتى نشوب حرب 1973، حين اتخذ المجلس الوزاري لمنظمة الدول الأفريقية، المنعقد آنذاك
قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية بإسرائيل، ومطالبتها بالانسحاب من الأراضي المحتلة ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير. وقد استجابت لهذا القرار الدول الأفريقية كافة، باستثناء نظام الفصل العنصري الحاكم يومها في جنوب أفريقيا وبضعة بلدان كانت تدور في فلكه آنذاك وكانت لتلك القطيعة مع الكيان الصهيوني دوافع مختلفة تراوحت بين تأثير آصرة الأخوة الإسلامية لدى بعض البلدان الأفريقية ذات الأكثرية المسلمة أو حتى الأقلية المسلمة القوية الضاغطة وبين مراعاة للعلاقات بالدول العربية واستجابة لضغوطها، أو لضغوط الواقع الاقتصادي وحاجة هذه الدول للاستثمارات والتمويل العربي والإسلامي للتخفيف من تداعيات الأزمات الاقتصادية لدى أكثرها.
وقد نجح الكيان لاحقا مطلع التسعينيات في استعادة علاقاته تباعا مع معظم البلدان التي قطعت معه العلاقات سابقا وذلك جراء ضعف وتخاذل النظام الرسمي العربي وسقوط الاتحاد السوفييتي وهيمنة النفوذ الأمريكي والتمكين للدبلوماسية الإسرائيلية التي نشطت مجددا في القارة وكسبت مواطئ قدم هامة فيها مجددا.
وفي أعقاب طوفان الأقصى وما تلاه من مجازر مروعة وحرب إبادة جماعية للأشقاء في غزة تلقت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية صفعة قوية حين رفض الاتحاد الأفريقي عضوية دويلة الكيان كمراقب، كما أن من مؤشرات فشل الدبلوماسية الإسرائيلية قيادة دولة وازنة كدولة جنوب أفريقيا لمحاكمة الكيان قانونيا وحمل ملفه الإجرامي لمنظمة العدل الدولية.
ومع ذلك فإن هذا لا ينبغي أن يجعل بلداننا الأفريقية تغفل عن خطورة هذا الكيان عليها على المستوى الداخلي وعلى المستوى الاقليمي فهو كيان بغيض لا يجيد سوى المؤامرات والتفرقة والاستثمار في الحروب.
وعلى كل حال فأفريقيا لا يمكن أن تكون صديقا لإسرائيل.. إذ أن أفريقيا كقارة وتاريخ وثقافة مناقضة كليا لهذا الكيان القائم على الاضطهاد والاستيطان والاستعباد.
○ بالنسبة لقضية الصحراء الغربية، موريتانيا تتبنى سياسة الحياد، هل تعتقدون أن هذا الحياد لا يزال في مصلحة البلاد؟ أم أن هناك حاجة إلى إعادة تقييم الموقف؟
• بالنسبة لنا في «تواصل» نرى أن الموقف المطلوب في النزاع القائم هو الحياد الإيجابي الموازن للمصالح الساعي للتأثير في مختلف الأطراف المتصارعة ودفعها لإحداث حالة السلم المطلوبة في الجوار الإقليمي الذي يعاني من الاضطراب والاحتراب الداخلي في بعض مناطقه وليس مجرد التفرج السلبي على ما يحدث دون حراك فاعل لإنهائه كما حال ملف السياسة الخارجية للنظام الحالي في العديد من أطوارها -رغم بذل بعض المحاولات أثناء ترأس البلاد للاتحاد الأفريقي-، إلا أنها لم تثمر نتائج تذكر على أرض الواقع.
○ كيف تقيمون وضع حزب التجمع اليوم؟ وهل تعتقدون أنه استطاع أن يتموضع بسلاسة داخل المشهد السياسي الوطني؟
• حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل» حزب حاضر بقوة في المشهد السياسي، وقد حافظ على موقعه كأكبر حزب معارض منذ انتخابات 2013 ويعزز موقعه ومكانته في الساحة باستمرار، حضورا وانتشارا في مختلف مناطق ومكونات الوطن وفاعلية وقوة في الخطاب، وفي حمل هموم المواطنين والدفاع عن مصالحهم وهو ما جسده بوضوح نشاط كتلته البرلمانية ومنظمتيه «نساء الإصلاح» و«المنظمة الشبابية».
ورغم ما شاب الانتخابات في كل محطاتها السابقة من اختلالات كان للحزب النصيب الأكبر منها بحكم موقعه في المعارضة، حيث نجح في الحفاظ على موقعه في وقت تراجعت فيه وبشكل دراماتيكي تشكيلات سياسية عريقة، وانتزع قيادة مؤسسة المعارضة في ثلاث دورات من 2013 إلى اليوم.
وإذا أخذنا الاستحقاق الأخير وهو الانتخابات الرئاسية 2024 مثلا، نلاحظ أن مرشح الحزب حصل على نتيجة مقدرة بحدود 13في المئة، رغم التأخر الكبير في الترشح بسبب مساعي الحزب من أجل الوصول إلى مرشح موحد للمعارضة والتي أخذت منه الكثير من الوقت والجهد.
وهي نسبة نعتبرها مقبولة جدا ومشجعة بالنظر للتحضير المتأخر للحدث كما أسلفت وحجم الاستقطاب الحاد والفرز بين بعض المرشحين على غير أساس يحتكم إلى البرامج ومصداقية من يقدمونها، إضافة إلى التوظيف المستمر لأدوات الدولة الصلبة والناعمة لصالح مرشح بعينه على حساب بقية المرشحين، مع ضعف الامكانيات ومصادر التمويل الذاتية التي تعتمد على تبرعات المنتسبين والمناصرين للحزب والفكرة.
إن ما حصلنا عليه لا يعكس بحال المكانة الحقيقية لمشروعنا السياسي المجتمعي في نفوس مواطنينا وحجم الاحتضان والالتفاف حوله الذي شعرنا به قبل وأثناء الحملة الانتخابية، بقدر ما هو نتاج الظروف والشروط غير المتكافئة التي اكتنفت العملية، والتي لولا حرصنا على حيوية العملية الديمقراطية ودفعها قدما إلى الأمام لَتَحَفًظْنا مبدئيا على المشاركة فيها لما لمسناه من اختلال وعوار ِِبَيّن في ميزان العملية، كان من شبه المستحيل معه إحداث تداول ديمقراطي حقيقي بين الموالاة -التي ظلت تحكم البلاد منذ الاستقلال ولحد الآن – وبين المعارضة التي بقيت على هامش الحياة السياسية تصارع من أجل البقاء.
○ واجه الحزب في الفترة الأخيرة تهديدات بالحل من قبل خصومه السياسيين، هل تعتقدون أن هذه المخاطر زالت تمامًا؟
• لعلكم تلمحون إلى خبر قديم نسبيا يعود لحقبة الرئيس السابق ولد عبد العزيز؛ وأيًا كان المقصود فإن حزب «تواصل» مشروع متجذر في هذا الوطن وفكرة راسخة يحملها الكثير من أبناء هذا الشعب تستعصي على الحل. فعلا سعت بعض الأطراف إلى توظيف سياق خاص للتجييش ضد الحزب والتحريض عليه، لكن تلك المساعي باءت بالفشل بحكم ترسخ الحزب في النسيج المجتمعي وقوة حضوره في المشهد السياسي ومصداقيته في الساحة التي تتعزز يوما بعد يوم.
○ شهد الحزب حالات تجميد نشاط وانشقاقات سياسية، هل تمكن من تجاوز هذه الصدمات، أم أن آثارها لا تزال قائمة؟
• «تواصل» حزب مؤسسي لا يتأثر بانسحاب الأفراد مهما كانت مواقعهم السابقة في الحزب، وهذه حقيقة راسخة جسدها الحزب في كل محطاته السابقة. وهو الحزب الوحيد في البلد الذي يعقد مؤتمراته بانتظام ويتم فيه التداول السلس على رئاسة الحزب، وتخضع آلية اتخاذ القرار فيه لمسار طويل من التداول والنقاش ويكون القرار في النهاية للمؤسسات وفق الآلية الشورية والديمقراطية المعروفة في الحزب.
لقد أرسى الحزب تقاليد تحتذي في مجال تكريس المؤسسية واحترام الآجال القانونية للاستحقاقات الحزبية الداخلية بانتظام إن على مستوى الحزب مركزيا أو على مستوى منظمتيه الرديفتين المنظمة النسائية والمنظمة الشبابية، فكانت مؤتمراته عرسا ديمقراطيا حقيقيا كرس التناوب أكثر من مرة وتمتع فيه أعضاء الحزب بالحرية المطلقة في اختيار قيادة الحزب ومجلسه التشريعي (مجلس الشورى)؛ ورغم كل ذلك شهد الحزب انسحابات في الفترات السابقة، وشهد ويشهد حاليا انضمامات نوعية ووازنة ومن مختلف المكونات، لا شك أننا نأسف لمغادرة كل من غادر الحزب ومع ذلك نحترم له قراره في النهاية.
صحيح كذلك، أن الحزب يضم كوكبة من القيادات وأصحاب الرأي ويحدث فيه أحيانا مستوى من التباين في الآراء الذي نعتبره مصدر ثراء وتنوع واجتهاد لمقاربة الصواب لا يضير الحزب في شيء، ونعتقد أن آلية الشورى والتداول الديمقراطي كفيلة بالحسم والتصحيح إن اقتضى الأمر.
ولا يعني ذلك أبدا أن الحزب لا يواجه تحديات وإكراهات في بعض الأحيان، نجتهد في مواجهاتها ونسدد ونقارب.
○ كيف ترون مستقبل المعارضة في موريتانيا؟ وهل لديكم رؤية لإعادة توحيد صفوفها وتعزيز دورها في المشهد السياسي؟
• سبق وأن تعرضنا لجزء من الإجابة على هذا التساؤل في سؤال سابق؛ وإجمالا فإن مستقبل المعارضة الديمقراطية في البلد مرهون بعاملين حاسمين أولهما مدى قدرة المعارضة على توحيد صفوفها وتعزيز المشتركات بينها إعلاء للمصلحة العامة حتى يقتنع المواطن بجدية ما تطرحه، والثاني الرهان على وعي المواطن نفسه ومدى استعداده للتغيير وتكريس التناوب بعد ما جرب سياسات النظام القائم لعقود طويلة منذ بدء المسلسل الديمقراطي منذ التسعينيات وحتى الآن ونفس الوجوه ومراكز القوى تقريبا تتبادل المواقع والأدوار لتنتج مزيدا من الفساد وتعزيز الغبن وتزايد الفجوة بين أغلبية تعيش على هامش الفقر وأقلية تتخادم فيما بينها وتتقاسم أغلب مصادر الثروة إضافة إلى النفوذ والسيطرة.
إن نصيحتنا للمعارضة ونحن جزء منها هي ضرورة الاستفادة من الدروس السياسية والتجارب القريبة لنظيراتها في الأمم من حولنا، فغير بعيد عنا في شبه الجزيرة الإيبيرية وفي إسبانيا منها تحديدا تمكنت المعارضة في أعقاب سقوط نظام فرانكو الاستبدادي من توحد صفوفها ووضع تناقضاتها الايديولوجية جانبا والتأكيد على المشتركات فيما يتعلق بأولويات الانتقال الديمقراطي وذلك بعدما كانت فصائلها متناحرة من شيوعيين واشتراكيين وليبراليين، وهي لم تكن بأحسن منا حالا يومها ولكنها نحت الأنانيات والحسابات الشخصية جانبا لصالح القطع مع الحقبة الاستبدادية، وقدمت نموذجا في التحالف والتنسيق والتكتيك السياسي جديرا بالاستلهام، وإذا ما صوبنا النظر نحو المنطقة العربية تحضرني تجربة أحزاب «اللقاء المشترك اليمنية» وما شكلته من فضاء يحتذى به لتنسيق العمل المعارض رغم قوة استحكامات النظام الذي عارضته بصبر وطول نفس وحتى مرحلة الربيع العربي، حيث شكلت الحاضنة المنظمة الواعية للشباب المنتفض وعملت على ترشيد حراكه الثوري.
○ مع بدء موريتانيا دخولها عصر الغاز، كيف ترون قدرة الدولة على إدارة هذه الثروة؟ وهل لديكم مخاوف من أن تتكرر أخطاء إدارة الثروات الطبيعية السابقة؟
• كما تعلمون فإن النجاح في تسيير الثروات وإحكام إدارتها مرتبط بمستوى الشفافية والحكامة الرشيدة في الدوائر الحكومية المختلفة للدولة، إضافة إلى قيام إرادة جادة لدى النظام نفسه في تدبير الآليات والمتطلبات الكفيلة بإحكام العملية ومحاسبة الضالعين في الفساد وسوء التسيير، وللأسف فإن ترتيب البلاد في سلم منظمة الشفافية العالمية لا يزال متدنيا ويحيل إلى تغلغل الفساد في مفاصل الدولة.
ومن ميزات الحقول المكتشفة تلك أنها تتمتع بموقع استراتيجي هام، فهي قريبة جغرافيا من الاتحاد الأوروبي والقارة الأمريكية، وإذا صدقنا الأرقام الحكومية الرسمية وتوقعات الخبراء المختصين في المجال فإن المداخيل المتوقعة من تلك الحقول تقدر بـ 100 مليون دولار سنويا خلال المرحلة الأولى من الإنتاج وفي المراحل النهائية ستصل إلى مليار دولار سنويا وهو ما يعني أن البلاد ستصبح قطبا اقتصاديا هاما بالمنطقة ووجهة معتبرة للمستثمرين.
إن المخاوف في هذا الصدد لها ما يغذيها بالقياس للتجارب السابقة في إدارة مصادر طبيعية مماثلة سواء تعلق الأمر بضعف المفاوض الوطني وعدم قدرته على إبرام اتفاقيات تضمن مصالح البلد وتحمي حقوقه في الحصول على نصيب معقول من ثروته المستغلة، أو تعلق بوضوح ودقة بنود الاتفاق نفسه في النص الأصلي وفي الملاحق المضافة ومدى قدرتها على الزام الطرف الآخر الذي كثيرا ما يتملص من تلك الالتزامات وتبعاتها خصوصا في مجال حماية الوسط البيئي الذي تجري عملية الاستغلال فيه بما يحافظ على صحة الإنسان وسلامة المحيط البيئي نفسه، أو تعلق الأمر -وهو لا يقل أهمية عن سابقيه- بإدارة العائدات ذاتها في الصندوق الاستثماري ومدى الرشد في حكامته وجاهزية أجهزة الدولة المعنية وإداراتها. في هذا الصدد، نتمنى أن يكون الوضع هذه المرة مختلفا وأن تنعكس مداخيل الغاز إيجابا على حياة المواطن المطحون بالغلاء والفساد.
○ ما هي رسالتكم للموريتانيين في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية؟
• ندعوهم للمزيد من رص الصفوف والتضامن الوطني وتغليب المصلحة العامة والوعي بأهمية إحداث تناوب سياسي حقيقي يقطع مع ممارسات الماضي السلبية وهذا التغيير المطلوب لن يقوم به أحد بالنيابة عنهم، فالمواطن هو وحده القادر بصوته الانتخابي على إحداث التغيير وإتاحة الفرصة لمشاريع وطنية جادة مثل مشروعنا السياسي الاجتماعي لإحداث الفرق المطلوب ومعانقة تطلعات المواطنين المشروعة لغد سياسي أكثر تنمية واستقرارا ورفاها وتشبثا بالهوية الإسلامية للبلد وتعزيزا لوحدته الوطنية وعدالة بين مختلف مكوناته الاجتماعية.
وأقول لهم إن المحافظة على أمن بلدنا واستقراره وتعزيز اللحمة بين كافة مكوناته الوطنية وتكريس العدالة بينهما وصيانة ثوابته وتطوير نظامه الديمقراطي هي أولوية وخطوط حمراء يتوجب الوقوف عندها وحمايتها وعدم المساومة على أي منها أيا تكن التحديات أو الإكراهات.