من أجل إكمال شفافية المسار.. لنحسم خيار ترتيب لائحتنا الانتخابية..بقلم /محمد محمود ولد سيدي محمود
مع تقلد فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الرئاسة في البلد؛ دخلت موريتانيا مرحلة حاسمة من تاريخها، ومختلفة جذريا عن كل المراحل التي سبقتها..
إنها حقيقة لم يعد يكابر في إنكارها غير قلة من المتضررين من إصلاح شؤون هذا البلد أو المتورطين في إفساد أوضاعه وتعقيد أحواله.
ورغم تعدد أوجه الاختلاف التي نقصدها؛ بدءا من حالة الانفتاح والسكينة السياسية والأمنية؛ مرورا بتحرك قطار التنمية المؤسسية على أكثر من صعيد، وانطلاق قطار المحاربة العقلانية الهادئة والهادفة، ولكن العنيدة أيضا، لكل أشكال الفساد ولجميع صنوف المفسدين…
رغم تعدد أوجه هذا الاختلاف إذن.. إلا أن ما يهمنا في هذا المقال المختصر؛ هو أساسا وتحديدا؛ ذلك التغيير الجذري والعميق الذي طرأ على شكل وأساليب وأسس الممارسة الديموقراطية وقيمها الأخلاقية والوطنية..
إنها الإرادة السياسية الجادة والحازمة لتعميق وتجذير منطق وقيم الشفافية في الممارسة السياسية عموما، وفي المسار الديموقراطي والانتخابي على وجه الخصوص.
لقد تجلت هذه الإرادة التي أظهرها النظام القائم في أكثر من مستوى وعلى أكثر من صعيد؛ من خلال انتهاج سياسة التشاور والشراكة الجديين مع مختلف مكونات الطيف السياسي الوطني؛ فكان ذلك التشاور الصادق والندي الذي أطلقته ورعته وزارة الداخلية مع أحزابنا الوطنية، وما نجم عنه من توافق عريض على ضمانات وشروط نجاح مسارنا الديموقراطي ومنحه المصداقية التي يستحق والثقة التي تحقق طمأنينة واحترام وتقدير كل الشركاء السياسيين؛ حتى لا نقول: الفرقاء السياسيين!!
وهكذا كان ذلك التوافق العريض بين أحزابنا على مواعيد ومحطات الاستحقاق الانتخابي القادم، وعلى تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وعلى مختلف تفاصيل العملية الانتخابية برمتها.
حتى أنه لم يبق مما يستحق الحسم فيه والاتفاق عليه إلا جزئية واحدة؛ لكنها جزئية جد جوهرية، ويمكن أن يترتب على شكل الحسم فيها نتائج غاية في الخطورة تمس صدقية المسار، وقد تعصف بقيمة ومعنى وأهمية كل ما حققناه على مستوى شفافية ونزاهة هذا المسار.
إنها مسألة ترتيب اللائحة الانتخابية؛ والتي يبدو أن التوجه والمسار سالكين نحو حسمها بذات الشفافية التي حسم بها غيرها من المواضيع والإشكالات؛ حيث ترد أنباء وتسريبات تفيد بالتوجه لحسم ترتيب هذه اللائحة على أساس أقدمية تراخيص الأحزاب المشاركة، وليس على أساس الأسبقية في تقديم ملف الترشح الذي كان منتهجا في ظل الأنظمة السابقة؛ رغم ما يؤشر عليه هذا النهج من انعدام الشفافية ومن إصرار السلطات والأحزاب الحاكمة على التحكم في ترتيب تلك اللائحة لصالح الأحزاب الحاكمة من خلال تحكم الأنظمة في الإدارة وتوجيهها لاستقبال الملف الذي يرضيها قبل غيره من الملفات، وهو ما جعل الأحزاب الحاكمة في الماضي تتصدر تلك اللائحة بشكل دائم.
إنه لم يعد خافيا على أحد ما يطبع هذا النهج من انعدام الشفافية والحياد، ناهيك عن اللامسؤولية الأخلاقية المترتبة عليه؛ حين يجعل قادة أحزابنا السياسية يتسابقون ويتزاحمون أمام مقرات اللجنة المستقلة للانتخابات من أجل تسجيل هدف “سبق إيداع الملف”، وبالتالي “حيازة حق تصدر اللائحة الانتخابية”، وما قد ينجر عن ذلك من اتهامات (صحيحة أو كاذبة) بالتواطؤ مع هذا الحزب أو ذاك من أجل تقديمه على غيره في إيداع ملفه!!
إن ترتيب اللائحة الانتخابية على أساس أقدمية وصل الترخيص هو الحل الوحيد لهذا الإشكال؛ حيث إن من شأنه أن يحول الترتيب إلى عملية فنية تلقائية تتعود عليها الأحزاب وكذلك الناخبون؛ دون أن تعني لهم شيئا محددا، ودون أن يقرؤوا فيها رسالة خاطئة مفادها أن الحزب المتصدر لا يمكن إلا أن يكون حزبا حاكما لأن السلطة معه، والإدارة كذلك معه.. وهي رسالة غاية في الخطورة؛ لو تعلمون….
ونعتقد أن هذا هو ما سيميز اللائحة الانتخابية في الاستحقاقات القادمة، إكمالا لمسار الشفافية والنزاهة والإنصاف الذي يبدو أنه خيار أراد فخامة الرئيس أن لا تكون فيه رجعة، وأن لا تشوبه شائبة، أو ترتبط به نواقص أو منغصات.. خصوصا أن الترتيب على أساس أقدمية الترخيص هو مطلب أغلبية الأحزاب السياسية؛ كما أنه هو المعيار الذي دأبت وزارة الداخلية على احترامه في تعاملها مع الأحزاب السياسية؛ فكانت على أساسه تمنح الأسبقية في تعاملها مع هذه الأحزاب؛ وحتى في ترتيب تدخلاتها خلال الاجتماعات التي تعقد معها.. كما أنه لا يوجد من يتشبث بخيار الترتيب على أساس أسبقية الإيداع إلا قلة نشاز تكتفي بطلب الإبقاء على هذا الخيار دون تقديم مبررات منطقية أو مقنعة لا في سبب تشبثها به ولا في سبب رفضها لغيره!!
فلنكمل إذن عملية بناء شفافية مسارنا الديموقراطي..
والله يحفظنا وبلدنا، ويهدينا مزيد الرشاد.
بقلم : محمد محمود ولد سيدي محمود