خذ الفرشاة وأكمل اللوحة! / محمد الأمين الفاضل
يحكى فيما يحكى أن رساما محترفا رسم لوحة فأعجبته كثيرا، فأراد أن يتحدى بها الجميع، فما كان منه إلا أن علقها على جدار في شارع عام، ووضع بجنبها قلما أحمر، وكتب فوقها: إذا لاحظت خللا في اللوحة فضع فوقه نقطة حمراء.
في المساء عاد الرسام إلى لوحته، فوجدها وقد أصبحت حمراء بكاملها، بسبب كثرة ما وُضِع عليها من نقاط حمراء، فتسبب له ذلك في إحباط شديد، وفكر في هجران الرسم، ولكنه من قبل أن يهجر الرسم قرر أن يخبر معلمه الحكيم بالأمر.
لم يكن من المعلم الحكيم إلا أن طلب من تلميذه الرسام أن يعيد رسم نفس اللوحة، وبنفس المواصفات والمقاسات، ودون أبسط تعديل، وأن يعلقها في نفس المكان، ووعده بأن النتيجة ستكون مختلفة هذه المرة.
نفذ الرسام أوامر معلمه، فأعاد رسم اللوحة دون أي تعديل، وعلقها في نفس المكان، ولكنه هذه المرة، وطبقا لأوامر معلمه، وضع بجانبها فرشاة، وكتب فوقها: إذا لاحظت خللا ولو بسيطا في اللوحة، فالرجاء أخذ الفرشاة وتصحيح الخلل.
في المساء عاد الرسام إلى لوحته، فوجدها على حالها، ثم تركها لأيام، ولكن لا أحد أخذ الفرشاة ليجري تعديلا ولو بسيطا على اللوحة.
تؤكد هذه القصة أنه لا شيء أبسط من النقد، ولا شيء أصعب من الإصلاح، فعندما يتعلق الأمر بالنقد تكون الزحمة كبيرة على القلم الأحمر، وعندما يتعلق الأمر بالإصلاح، فحينها ستغيب الزحمة، وسيكون من النادر جدا أن تجد الفرشاة من يمسكها لإصلاح الخلل.
دعونا ـ من الآن فصاعدا ـ نجرب أخذ الفرشاة ـ كلما كان ذلك ممكنا ـ لإكمال النواقص الموجودة في لوحة الوطن، وهي بلا شك نواقص كثيرة، وفي الأوقات التي لا يُمكن لنا فيها أخذ الفرشاة، فلا بأس بأخذ القلم الأحمر لا لتشويه اللوحة وتلطيخها بما يزيد من نواقصها وعيوبها، وإنما للفت انتباه الجهات المعنية إلى أماكن الخلل في اللوحة، وحثهم على إصلاحها.
وإذا ما تركنا الحديث بلغة المشتغلين بالرسم، وتحدثنا بلغة المشتغلين بالشأن العام، فإنه يمكننا أن نقول بأن الاهتمام بالشأن العام ينقسم إلى ثلاثة مستويات، أو ثلاث درجات، وبين الدرجة والدرجة مسافة شاسعة جدا.
المستوى الأول (الدرجة الأولى): هي أن تنزل إلى الميدان وتحاول أن تصلح ما يمكن إصلاحه من خلل، وبما تملك من وسائل بسيطة، وهذه هي أعلى درجات الاهتمام بالشأن العام، وهي من أصعبها، ومن أكثرها ندرة لدى نخبنا؛
المستوى الثاني (الدرجة الثانية): إنتاج الأفكار وتقديم المقترحات والحلول لمن بيده الأمر، أي لمن يمتلك فرشاة، ويستطيع بالتالي ـ إن وجد المقترحات ـ أن يصحح بعض النواقص ومظاهر الخلل في اللوحة؛
المستوى الثالث (أو الدرجة الثالثة): وهذه هي أدنى درجات الاهتمام بالشأن العام، وأقلها قيمة، وهي التي تتزاحم عليها نخب البلد، ولا يعني هذا أنها بلا قيمة. نعم لها قيمتها، حتى وإن كانت أقل بكثير من قيمة المستويين الأول والثاني، وستبقى قيمتها مرهونة باستخدام القلم الأحمر بالطريقة الصحيحة.
لا يحتاج أصحاب الدرجة الثالثة لأخذ الفرشاة لأنهم لا يمتلكون القدرة على تصحيح الخلل في اللوحة، ولا يمتلكون كذلك القدرة على إنتاج الأفكار وتقديم المقترحات، وأكثر ما يُتوقع منهم هو أن يأخذوا القلم الأحمر للإشارة إلى مكان الخلل للتنبيه إليه، ودون أي تشويه للوحة.
المؤسف حقا أن هذه الطائفة تنشغل في كثير من الأحيان بتلطيخ اللوحة باللون الأحمر، أي أنها تلجأ في نقدها إلى الإساءة والكلام البذيء، وذلك بدلا من الانشغال بالتنبيه إلى نقاط الخلل من خلال النقد القوي والبناء، والذي يهدف صاحبه إلى تبيان مواطن الخلل لأولي الأمر، وحثهم على تصحيحها، ودون أن يُفسد نقده الهادف ذاك بالسب والشتم والإساءة.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاضل